الثلاثاء، 29 سبتمبر 2015

الخشب وقود المستقبل


الخشب وقود المستقبل أيٌ من مصادر الطاقة المتجددة هو الأكثر أهمية بالنسبة للإتحاد الأوروبي؟ الطاقة الشمسية، ربما؟ (تمتلك أوروبا ثلاثة أرباع طاقة العالم المجهزة من الطاقة الشمسية الضوئية). أو الرياح؟ (ضاعفت المانيا قدرتها من طاقة الرياح ثلاث مرات في السنوات العشر الماضية). والجواب بالنفي للخيارين معا. الى حد بعيد فأكبر مصدر للطاقة المتجددة في أوروبا حالياً هو الخشب.

الخشب بأشكاله المختلفة، من العصي والنشارة والحبيبات، يعادل قرابة نصف استهلاك الطاقة المتجددة في أوروبا. وفي بعض الدول مثل بولندا وفنلندا، يسد الخشب أكثر من 80 بالمائة من الطلب على الطاقة المتجددة. وحتى في المانيا وهي موطن «تحول الطاقة» والتي أغدقت معونات ضخمة على طاقتي الشمس والرياح، يأتي 38 بالمائة من استهلاك الوقود غير الأحفوري من هذه المادة. وبعد سنوات من تباهي الحكومات الأوروبية بثورتها ذات التقنية المتطورة وطاقتها منخفضة الكاربون، فالمستفيد الرئيس سيكون الوقود المفضل لمجتمعات ما قبل الصناعة.

تبدو فكرة أن الخشب قليل الكاربون غريبة. ولكن الحجة الأصلية لتضمينه في قائمة الاتحاد الأوروبي لإمدادات الطاقة المتجددة جديرة بالاحترام. اذا كان الخشب المستخدم في محطة طاقة يأتي من غابات مدارة بشكل مناسب، حينئذ الكاربون المنبعث من المدخنة يمكن تعويضه بالكاربون الداخل والمخزّن في أشجار مزروعة حديثا. ويمكن للخشب أن يكون متعادل الكاربون.

في مجال الكهرباء للخشب مزايا ،فان انشاء حقول طواحين الهواء مكلفة ولكن محطات الطاقة يمكن تكييفها لحرق مزيج 90 بالمائة فحم و10 بالمائة خشب (ويدعى الحرق المشترك) باستثمار جديد قليل. وعلى عكس حقول الشمس والرياح الجديدة، فمحطات الطاقة مربوطة فعلاً بالشبكة.

طاقة متجددة



طاقة الخشب ليست متقطعة مثل تلك التي تنتجها الشمس والرياح: ولا تتطلب طاقة داعمة في الليل، أو في الأيام الساكنة. ونظراً لاستعمال الخشب في محطات الطاقة العاملة بالفحم التي قد تغلق ما عدا ذلك بسبب المعايير البيئية الجديدة، وهو أمر رائج جدا لدى شركات الطاقة.

كانت النتيجة هي تكوين تحالف لدعم الاعانات العامة للخشب. وجذب اليه جماعة الخضر الذين اعتقدوا أن الخشب متعادل الكاربون؛ شركات الخدمات التي رأت الحرق المشترك طريقة رخيصة لحماية محطاتها الفحمية؛ والحكومات التي رأت الخشب الوسيلة الوحيدة لإنجاز أهدافها المتعلقة بالطاقة المتجددة. ويريد الاتحاد الأوروبي الحصول على 20 بالمائة من طاقته من موارد متجددة في 2020؛ وسوف يتخلف عن هدفه بمسافة طويلة اذا اعتمد على الشمس والرياح فحسب.

يخلق الاندفاع لتحقيق هدف 2020 نوعاً جديدا من مشاريع الطاقة. في الماضي، الكهرباء المستخرجة من الخشب كانت عملية تدوير نفايات وصغيرة الحجم: احتاجت مصانع اللباب والورق الاسكندنافية لمحطات طاقة بجوارها لتحرق فروع الأشجار والنشارة. وجاء بعدها الحرق المشترك، وهو تغيير هامشي. ولكن في 2011، حوّلت شركة «ار دبليو إي» الألمانية العملاقة محطتها الكهربائية «تيلبوري بي» في شرق انكلترا لتعمل بالكامل بحبيبات الخشب (وهو شكل شائع من الخشب لأغراض الحرق صناعيا).

«دراكس»، في بريطانيا أيضا وهي احدى أكبر محطات الطاقة الفحمية في أوروبا، قالت أنها ستحول ثلاثة من مراجلها الستة لحرق الخشب. وعندما تعمل في 2016 ستولد 12،5 تيراواط/ساعة من الكهرباء في السنة. وهذه الطاقة ستحظى بالدعم، ويسمى شهادة التزام متجددة، وتبلغ 68 دولاراً لكل ميغاواط/ساعة، وهو ما يفوق سعر السوق للكهرباء.



اسراف مستمر

مع وجود حوافز مثل هذه، فالشركات الأوروبية تطوف الأرض بحثاً عن الخشب. واستهلكت أوروبا 13 مليون طن من حبيبات الخشب في 2012، وفقاً لمجموعة أسواق الخشب العالمية وهي شركة كندية. وحسب المؤشرات الحالية سيرتفع طلب أوروبا الى 25مليونا-30 مليون طن سنويا في 2020.

لا تنتج أوروبا خشباً كافيا لسد الطلب الاضافي. ولذلك يأتي قسم كبير منه عبر الاستيراد. وارتفع استيراد حبيبات الخشب الى الاتحاد الأوروبي بنسبة 50 بالمائة في 2010 وحدها وقد ترتفع تجارتها العالمية خمس أو ست مرات من 10 ملايين-12 مليون طن سنويا الى 60 مليون طن في 2020. ويأتي الكثير من ذلك بمشاريع جديدة مصدِّرة للخشب تزدهر في غرب كندا والجنوب الأميركي.

الأسعار مرتفعة جدا، والخشب ليس سلعة ولا يوجد سعر وحيد. لكن مؤشراً لأسعار حبيبات الخشب نشرته «ارغوس بايوماس ماركتس» ارتفع من 116 يورو للطن في آب 2010 الى 129 يورو للطن في نهاية 2012.

وارتفع سعر الخشب الصلب في غرب كندا بنحو 60 بالمائة منذ نهاية 2011.

يؤدي هذا الى تسليط الضغط على الشركات التي تستخدم الخشب كمدخلات. وقرابة 20 بالمائة من المناشر الكبيرة التي تصنع المقاطع الخشبية المستخدمة في صناعة البناء قد أغلقت أبوابها في أوروبا خلال السنوات الخمس الماضية.

ارتفاع أسعار الخشب يؤذي شركات الورق واللباب، وهي في وضع سيئ ،على أية حال، يبقى انتاج الورق والألواح الخشبية في أوروبا أقل من مستوى الذروة في 2007 بنحو 10 بالمائة. وفي بريطانيا يشكو صانعو الأثاث من أن منافسة شركات الطاقة «ستؤدي لإنهيار القاعدة السائدة لصناعة الأثاث البريطانية، ما لم تقلل أو تلغى الاعانات.»

لكن اذا كان تقديم الدعم لطاقة الخشب وسيلة كفوءة لخفض انبعاثات الكاربون، فربما يشطب هذا الضرر المباشر باعتباره نتيجة غير مناسبة لسياسة كانت مفيدة في الإجمال.

ينتج الخشب الكاربون مرتين أو أكثر: مرة في محطة الطاقة، وأخرى في سلسلة العرض. وتتضمن عملية صنع الحبيبات من الخشب طحنه وتحويله الى عجينة ووضعه تحت الضغط. وكل ذلك اضافة للشحن يتطلب طاقة وينتج الكاربون: 200 كيلوغرام من ثاني أوكسيد الكاربون لكمية من الخشب تكفي لتوفير 1 ميغاواط/ساعة من الكهرباء.

استنتج العلماء في السنوات القليلة الماضية أن الفكرة الأصليةالمتعلقة بالكاربون في غابات تحت السيطرة سيعوض الكاربون في محطات الطاقة- مفرطة في التبسيط. في الواقع، يعتمد الكاربون حيادياً على نمط الغابة المستخدمة، ومدى سرعة نمو الأشجار، واستخدام رقائق الخشب أو الأشجار بأكملها وغير ذلك.

يعتقد «تيم سيرشينغر» من جامعة برينستون أن استعمال الأشجار بكاملها لانتاج الطاقة فهي ستزيد انبعاثات الكاربون مقارنةً مع الفحم بنسبة 79 بالمائة خلال عشرين سنة و49 بالمائة خلال أربعين سنة؛ ولن يتراجع مستوى الكاربون الا بعد مرور مائة سنة، عندما تكبر الأشجار البديلة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق